عربة خضار تنقلب عربة للتاريخ .. !

لو علم الرئيس التونسي ماستصنع به هذه العربة ( التافهة بنظره ) لعوض صاحبها واسترضاه بقصر على البحر الأبيض المتوسط وجاء به وزيراً لديه , وقبّل منه الأقدام قبل أن يحرق نفسه , حتى يكمل على ماتبقى من نفس لدى أجيال لم تخلق بعد من التوانسة القادمين للحياة , ويمتص دماء كرامتهم وهم أجنة في بطون أمهاتهم ..


بن علي : فهمت عاجلاً وسريعاً عن شعبك يا أيها الرئيس الألمعي الذكي .. فهمتهم في وقت قياسي , فلك الثناء صاحب الفخامة والسيادة , البارحة شاهدت خطابك الأول ثم الثاني ثم الثالث قبل أن يكنسك التاريخ وتلعنك القلوب والضمائر .. شاهدت كيف يتحلل كبرياؤك ويتساقط ورت التوت عن عورتك وبروز الخوف في عينيك .. ليتك كنت مثل صدام حسين .. عانقت الموت بشجاعة وواجهت الموت بلا تلكؤ , وصحت في التونسيين : أربطوا الحبل بإحكام .. واهتفوا في شوارعكم بنشوة وحماس : ( رأس زعيم ثمناً لعربة خضار تافهة . )




راشد الغنوشي .. دموعك زلزلتني .. هدوءك وخشوعك أرهبني .. كلماتك التي نزفتها عن الرئيس الفاهم متأخراً : ( هذا الرجل بلا قلب , خشبة , طاغية لا يعرف الله ) .. نظرات عينيك المليئة بالأسى على عمرك الذي قضيته في المهجر أو المنفى سيان تلك النظرات سافرت بي بعيداً ونسيت كل شئ حولي وتقزمت الدنيا في عيني وكأنها عربة خضار متجولة ..




صورة الطبيب والممرضة والممرض وبجوارهم الرئيس ( الفاهم متأخراً ) قبل أن يفهم عن شعبه مايعانيه في أثناء زيارته لبائع التاريخ عفواً ( بائع الخضار ) الشاب بو عزيزي صاحب عربة التاريخ المتجولة عفواً مرة أخرى ( صاحب عربة الخضار المتجولة ) الذي من حقه أن يدفع عربة التاريخ ويتجول بها في أنحاء العالم العربي الملئ بالجوع والفقر , ويشعل الكرامة في الناس , بعد التأمل في أبعاد تلك الصورة ستجد الطبيب والممرضة غير عابئين بالرئيس ( الفاهم متأخراً ) ويقفون بجواره ويبادلونه النظرات وكأنه بائع جوال في شوارع العاصمة . بينما الإطراق والاحترام باد على مرافقه وكأن ( الرجل العملاق ) المحروق أمامه خشبة لا تحس بألم ولا تحمل قيمة , ولم يعلم بأنه ممسك للتاريخ بعنوة من تلابيبه .. يقوده ويتجول به حيث يشاء .

كرر النظر في الصورة وتأمل جيداً تنبئك عن طغيان الكرامة المتفجرة وحمم الغضب من الاستبداد والفساد الذي حولت الحياة في أعينهم إلى قصيدة لأبي القاسم الشابي لا غير .





أيها الليبراليون : لكم وجوه متكررة , حكمتم العالم العربي في الخمسين سنة الماضية .. بعلمانية تارة , و قومية تارةً أخرى , وبعثية تارةً ثالثة , واشتراكية , واليوم تنادون بنبذ القيم والأخلاق والدعوة لنسبية الحقيقة , وجربتم على رؤوس الشعب العربي كل النظريات التي تصرخون وتبشرون بها , وفي النهاية جئتم لنا بالنتيجة : خريجو الجامعات باعة عربات خضار متجولة . ومازلتم تبشرون بالنظرية الجديدة الليبرالية التي ستكون جنة الدنيا ( الموشومة ) لا الموسومة . حداثيو الأمس علمانيو الأمس شيوعيو الأمس ليبراليو اليوم وياقلب لا تحزن .. كل سنة موضة فكرية جديدة باسم التقدمية والتمنية والتحضر والمدنية .. ولا عزاء للغافلين عن التاريخ .



أنتم والرئيس الهارب تشتركون في عدة أشياء :
الدعوة للانفلات الأخلاقي وكره المساجد والأذان والاستهتار بهما , وتجريم الاسلام ووسم أهله بأنهم سبب الركود الاقتصادي وسبب ثقب الأوزون .. تغربون الهوية وتفصخون ثياب المجتمع ليجري عارياً في الشوارع كــ المجنون ويبحث عن عربة للخضار يندس وراءها .



سلمان العودة .. بالله قليلاً من الحياء ومتعنا بصمتك سنة واحدة بس .. أرحنا من استغفالك للآخرين عدة أشهر فقط .. وأنصحك في هذه السنة بزيارة من دافعت عنه في جدة ومؤاساته . ولتشرح له أفكارك في التغيير . ولا تنس تعلمه الوضوء قبل الصلاة .



ياقلب .. عش حراً أو مت عزيزاً غير عابئ بحياة لا تسوى عربة خضار ..
ولا عزاء لمصاصي الدماء الظامئة , الوالغين في كرامة الناس,
والمقتاتين على مشكلات المجتمع .


كنس التاريخ بن علي وجعل ثمنه عربة خضار متجولة
وبقيت الصلاة قائمة
والمآذن شامخة ..



أيها الخبز .. يالك من قديس .